Ardeki

اليدين والنحيف

 البدين والنحيف


نبذة عن الكاتب:

أنطون تشيخوف كاتب مسرحي وطبيب ومؤلف قصص روسي من أكثر مؤلفين القصص على مدى التاريخ وكبار الأدباء الروس على مر العصور ولد عام 1860م، وتوفي عام 1904م بعد أن كتب مئات من القصص التي توصف المشاعر الإنسانية وتعبر عن الإنسان تعبيرًا صادقًا.


قصة الرواية :

تقابل صديقان قدامى في محطة سكك حديد نيكولاي، وكان الصديقان أحدهما نحيف والآخر بدين، وكان الصديق البدين قد تناول وجبة الغداء لتوه، في المحطة ولمعت شفتاه من الدهن، كما تلمع ثمار الكرز الناضجة.


وفاحت من فمه رائحة النبيذ والحلويات المعطره، أما النحيف فقد كان خارجًا لتوه من محطة القطار، محملًا بالحقائق وعلب الكرتون، وقد فاحت منه رائحة اللحم والقهوة الرخيصة، وظهرت خلفه سيدة نحيفة طويلة الذقن هي زوجته، وتلميذ طويل القامة بعينين ضيقتين هو ابنه.


لقاء في محطة القطار :

وعندما رأى البدين صديقه النحيف هتف بصوت عالي مناديا علي صديقه قائلا : (بورفيري)، أهو أنت يا عزيزي، كم مر من عام لم أرك! فرد عليه الصديق النحيف بدهشة عندما رآه أيضا قائلًا : (ميشا)، يا صديق الطفولة، من أين جئت، ثم تبادل الصديقان الأحضان وحدق كل منهما للآخر بعينين مغرورقتين بالدموع، وكان كلاهما في حالة من الذهول والسعادة.


أحوال الصديق النحيف :

قال الصديق النحيف لصديقه البدين : يا لها من مفاجأة سارة غير متوقعة، يا عزيزي، هلا نظرت إليّ جيداً؟

فرد عليه صديقه البدين بفرحة : حبوب وغندور كما كنت يا عزيزي.


فرد عليه النحيف قائلا : آه يا الهي، ماذا عنك يا عزيزي، هل تزوجت، هل أصبحت ثري، ماذا عن أحوالك، فأنا تزوجت كما ترى، وهذه زوجتي (لويزا)، ومن عائلة فانتسينباغ، بروتستانتية، وهذا ابنى( نافانائيل) تلميذ في الصف الثالث.


ثم قام بتعرف ابنه على صديق طفولته قائلًا لابنه : يا نافانيا، هذا صديق طفولتي درسنًا معاً في المدرسه لسنوات عديدة، فقام ابنه برفع القبعة لصديق والده تحية له، ثم استرسل النحيف قائلًا لصديقه البدين : أتذكر عندما كانوا ينادونك في المدرسة، باسم هيروستراتوس، وذلك لأنك قمت بحرق كتابًا عهدة بالسيجارة، وكانوا ينادوني بلقب افيالتوس وذلك لأنني كنت أحب النميمة، ثم ضحك مكملًا كم كنا صغرًا.


واستدار وقال لابنه : لا تخف يا نافانيا فهذا صديقي، ففكر نافانيا قليلًا ثم اختبأ خلف أبيه وهو ينظر إلى صديقه البدين بإعجاب واندهاش، ثم سأل الصديق البدين صديقه عن عمله قائلًا : ماذا عنك الآن يا عزيزي، وأين بلغت في الخدمة؟

فرد عليه صديقه النحيف : أنا بلغت الآن في الخدمة محكم هيئة منذ سنة، وقد حصلت على وسام ستانسلاف، والراتب سيئ، لكن زوجتي تعطى دروسًا في الموسيقى، وأنا أصنع علب سجائر ممتازة من الخشب، وأبيع العلبة الواحدة بروبيل، ومن يشترى عشرة علب أو أكثر، أقدم له خصماً، أتدري كنت أخدم في الادارة، وقد نقلت إلى هنا الآن تبع نفس الوزارة، سوف أخدم هنا.


أحوال الصديق البدين :

ثم سأل النحيف صديقه البدين : وماذا عنك أنت أظنك بلغت مستشار دولة الآن، فرد عليه البدن وقال : لا يا عزيزي بل أعلى، لقد بلغت منصب المستشار السري وحصلت على نجمتين.


رد فعل غير متوقع : وفجأة امتقع وجه النحيف وتجمد قليلًا، ولكن سرعان ما التوى فمه في جميع الاتجاهات، ليقوم بصنع ابتسامة عريضة للغاية، وبدا وكأن الشرار يطل من عينيه، وانكمش جسده وتحدب وتقفع وتجمع على بعضه، حتى حقائبه وكراتينه قد انكمشت، أما زوجته فقد استطال ذقنها الطويل أكثر، وشد ابنه قامته وزرر جميع أزرار سترته، ثم قال الصديق النحيف فجأة : انني يا صاحب السعادة والفخامة، مسرور جدًا بلقائك، فصديق الطفولة قد أصبح من الأكابر ثم ابتسم ابتسامة مصطنعه.


استغراب ودهشة وضيق:

فرد عليه صديقه البدين باندهاش : دعك من هذا، ما هذه النبرة يا صديقي العزيز، إننا أصدقاء منذ الطفولة، فلا مجال لتلك الألقاب هذه، فرد عليه صديقه النحيف مصاحبًا قوله بزيادة انكماش وضحكة صفراء تعتلي ثغره : العفو، سعادتكم ماذا تقولون، إن اهتمام سعادتكم فخر لنا جميعًا، فهذا ابني (نافانائيل) وهذه زوجتي (لويزا) بروستانتينية إلى حد ما، وإن لقاءكم الكريم هو كما البلسم الشافي.


أراد الصديق البدين أن يعترض بشكل ما، ولكن وجه النحيف كان يطفح بالتبجيل والتعظيم والخنوع إلى درجة أثارت الغثيان في نفس المستشار السري، فأشاح بوجهه عن النحيف ومد يده له مودعا، فصافحه النحيف بثلاث أصابع وانحني بشدة وضحك بشكل مصطنع، وانصرف المستشار السري وبقي الصديق النحيف وزوجته وابنه متجمدين في مكانهم من شدة الذهول والاندهاش الذي لازمهم.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Ai_ads